تُحذر النصيحة من مقارنة امرأةٍ بأخرى، مع النساء، اتبع تلك النصيحة وكذلك يجب أن تفعل مع المدن، إحذر أن تيمم شطر إحداها وعيناك معلقتان شطر الأخرى، وروحك ترجو وصلاً غير الذي تحيد نحوه، قبل زيارةِ مدينةٍ ما تطهّر تماماً مما قد علق بقلبك من المدائن السابقة، أغتسل بنيّة التخلص من الذكرى، اخلع عنك توقعاتك، تخلص من المذاقات التي لسعت لسانك على موائد غيرها، والمشاهد التي أسكرت عينيّك حين تبدّت لك مفاتن سواها، وصمّ أذنيّك، صمها تماما عن كل رأيٍ سلبيّ يُملى عليّك حين تصرّح برغبتك لزيارتها، أقبل على المدينة بذاكرةٍ بكر، لا تزحمها الذكريات القديمة، أفرغ لها حيّزًا في قلبك لتملأه، تحرر من كل ما قد يحول بينك وبين التجربة الحقيقية في رحابها.
لقد وقعت في تلك الخطيئة، أقول ذلك بكل حرجٍ وأسف، لقد وقعت بعد كل الأسفار التي سافرتها والدروس التي تعلمتها من المدن، وقعت في فخ المقارنة، زرت تونس وقد امتلأ قلبي بالمغرب،تشرّبته وفتنت به، زرتها وأنا أظن بأنها ستكون البديل الأقرب مسافةً من المغرب البعيد، زرتها وأنا أتوق للنشوةِ التي بلغتها حين زرت المغرب، ولكن تونس أذهلتني باختلافها وفرادتها، تونس ألبستني الشاشية بدل الطربوش، والجُبّة الحريرية بدل القفطان، أطعمتني اللبلابي والمقروض بدل الكسكسي وكعب الغزال، أسقتني التاي بالبندق عوضًا عن الأتّاي بالنعناع، أحاطتني بالجيليز لا الزليج، وأنامتني بأسرّةِ الباي بدلاً من أسرّة النحاس، نعم في تونس شيءٌ من المغرب وفي المغرب شيءٌ من تونس، ولكن لكلٍ منهما حلاوته ولذّته، لكلٍ منهما نصيبٌ من الفرادة والاختلاف.