شفشاون : رياض شريفة

في الدرّب الضيّق الذي يقابل فندق كازا بيرليتا حيث قضيت ليلتي، وبعد أن ترتقي عدّة درجات مدّ يديّك لفتح البوابة الزرقاء الصغيرة التي كتب بجانبها رياض شريفة هذه البوابة البسيطة والجميلة ككل بوابات البيوت الشفشاونية ستفضي بك لعالمٍ من الإبهار في مزج الألوان والمواد وقطع الأثاث، في مزج الثقافتين الاسبانية والمغربية لتصميم فندق افتتح لتوه.

فيما يخص التصميم الداخلي بالنسبة لذائقتي فإن الجمال يبلغ منتهاه حين اندماج الذوق الأوربي القديم بالبيوت العربية القديمة، وهذا ما رأيته متجسدًا أمامي في رياض شريفة، الرياض الذي كان عبارة عن منزليّن تقليدييّن متجاورين أضيف لهما بالبناء وأزيلت بينهما الجدران فتحولا لفندق بوتيكي في قلب المدينة القديمة، وفقًا للأصالة المغربية والتأثر بالذوق الاسباني، اللاتيني، قامت السيدة مريم مالكة الرياض عند تصميمه بتجسيد هوية السكان الأوائل, الذين حملوا أندلسهم معهم إلى شفشاون وعززوها بالفنون والثقافة المغربية.

في الطابق الأرضي, يتسقبلك فناءٌ صغيرٌ أبيض, إلا أن اللون الذي سيخطف انتباهك هو درجة مريحة من اللون الأخضر، لون الفستق الذي يشع على درجات السلم الصغير المنفرج في منتصف الفناء، والجلسة المنحوته كقوس بداخل أحد جدرانه أضيفت لها وسائد بالتطريز الفاسي باللون ذاته.

أما أكثر ما لفت انتباهي وأثار اعجابي في الطابق الأوسط هو كل شيء! كل قطعة وكل لون وكل تفصيل, كل تباين وتضاد واختلاف كان يندمج بشكل مبهر في الطابق الأوسط من الرياض، بدءً من الأرضيات المفروشة بالكليم المنسوج يدويا, واتصالها بالسقف الخشبي المحفور بزخرفات عربية وأفاريز بارزة تارة, والمرسوم بأزهار ونقوش مستوحاة من البيئة المغربية تارة أخرى, والثريات الكرستالية الأوربية التي تتدلى من وسط شكلٍ هندسيٍ إسلامي.

لم تكن الأقواس التي تنتصب على جوانب هذا الطابق متماثلة، ثمة أقواس مدببة وأخرى محدّبة وغيرها ذات تعرجات أندلسية، أحببت هذا التمرّد على قاعدة تطابق الأقواس في المكان الواحد, وأحببت المفرش المطرّز بالتطريز الفاسي الملقي على كتف الحاجز الذي يحفّ الممرات المطلّة على الفناء الأرضي والذي أعطى للمكان روحًا أنثوي، كما أحببت الوجود الكثيف للشجيرات والأغصان المتسلقة والأوراق التي تلامس كتف العابر بجانبها وتحييه، ذلك كله حين أجتمع، جعل من المكان جنةً معلّقةً صغيرة.

بجانب الجلسة المغربية التقليدية, كان ثمة كرسيان بتصميم اسباني, وأبجورة فرنسية بقبّعة تتدلى منها الشراشيب, وصندوق خشبيّ مرسوم بذات الطريقة التي يزيّن بها السقف, صندوقٌ يستخدم عادةً لوضع جهاز العروس قبيّل زفّافها, بالإضافة لطبيليات من النحاس والفضة تتوزع بين قطع الأثاث فوقها ابريق الشاي التقليدي بحجمٍ كبير, الابريق الذي هو عنصرٌ دائم في تأثيث المنزل المغربي, يوضع في مكانٍ بارز في المجلس, كناية عن استعداد أهله لإكرام الضيف في أي وقتٍ يجيء.

الغرف والأجنحة في الرياض, كلٌ منها متفردٌ بتصميمه وألوانه, السمة المشتركة في الأجنحة هي المصطبة التي يرتفع فوقها السرير, مما يعطي احساسًا بالفخامة للنزيل وكأنه ينام على سريرٍ يطفو فوق حكايةٍ من حكايا شهرزاد في ليالي ألف ليلة.

لم أدرس التصميم أو الهندسة, لكني كنت أستلهم القواعد عبر قلبي, ما يرف له هو الصحيح بالنسبة لي, وأوضح قاعدة استلهمتها من زيارتي لرياض شريفة, كانت القدرة المستمرة على الإدهاش, ذلك البيت الذي صُمم بحس فنيّ عالٍ كان العنصر الأساسي لتصميمه هو ” الدهشة ” الجمال المباغت الذي ينهمر عليك كلما فتحت بابًا أو عبرت قوسًّا أو ارتقيت درجات سُلّم.

لم أستأجر غرفةً في رياض شريفة, قضيت جزءًا من النهار أتملى في تفاصيله, واعبّئ عيني من جمال زواياه, وحجراته وطوابقه, كانت روحي ترّف بسرور, التقطت الكثير من الصور للألوان واللوحات والأفكار والمنسوجات, ذلك النوع من الصور الذي يُحزنك النظر إليه حين تعود لفرط ما يؤلمك الحنين.

One thought on “شفشاون : رياض شريفة

  1. ماادري وش اقول يعجز لساني عن التعبير اعلق على جمال كتابتك ولا على التقاطاتك لجمال شفشاون
    احس اني جالسة قدام كيكة لذيذة وكل قطعة منها مذاق مختلف ومتحسفه اخلصها

    Like

Leave a comment